الجمعة، 29 أكتوبر 2010

اللاوعى المعرفى الإسلامى والآخر....ماليزيا نموذجا


يعرف الفيلسوف الفرنسى إدوارد هيريو الثقافة بأنها ما يبقى بعد ان يمحى كل شئ , ,ويبرز بياجى فى حديثه عن آليات المعرفة مصطلح اللاوعى المعرفى L'inconscient cognitif هذا اللاوعى هو الذى يرسم تصرفاتنا , ومدى تحصيلنا للأحداث , وكذا آليات التعامل مع الكون , وتعاطى المعرفة , تؤثر فيه بلاشك البيئة المحيطة , والموروث الاجتماعي , يمكن تشكيله فى عقل المتلقى حيث يكون طفلا , ويبقى معه مالم يتزعزع تكوينه النفسانى والابستمولوجى بفعل حراك متطور عن الايدولوجية ومتجه نحو نظرية معرفية تضع الامور على ماهى عليه.....فى الوقت الذى تحيل فيه الدراسات التكوينية للعقل العربى انه عقل موصوف بعدة سمات – او لنقل اللاوعى المعرفى العربى-منها :-


1- انه عقل يعتبر الماضى صورته الأصلية التى تفقد الاشياء اصالتها بدون الانتساب إليه, ومرجعيته تصل فى النهاية إلى البدوى الصحراوى...المتخلف!

2- انه عقل قياسي لا ينتج المعرفة وإنما دائما يحتاج إلى مثال سابق ليقيس عليه!

3- فى مجمله, هو لا يقبل تعارض الافكار, ولا تعددها, فهو بصورة ما لا يقبل الآخر...وهذا انتزاع من الوضع القبلي الذى يسود فيه رأي شيخ القبيلة هو وهو فقط!


سواء اتفقنا او اختلفنا حول هذه السمات وما يطالها من نقد ونقد النقد , إلا ان نظرة بسيطة للواقع العربى , تؤكد لنا صحة هذه النقاط , ولكن مع اختلافات نسبية من مكان لآخر , إلا أن لاعبا جديدا قد ظهر فى هذه اللعبة وهو الدين , وحين يذكر الدين وتذكر العرب فلاشك أن دينهم السائد هو الإسلام ,والكن الغريب هو أن النص القرءانى – وهو النص المقدس الأول لدى المسلمين – لا توجد فيه مثل هذه السمات للعقل العربى,وهذا يؤكد انه ليس من وضع أحدهم, أى انه اتى بعيدا عن الوقوع فى القياسية كنص عربى شكلا ومضمونا , ولا اسيرا للماضى , بل تقوم دعوته على تحليل احداث الماضى , واخذ العبر منها , وترك التحاكم إلى الماضى والاتجاه نحو نظرية معرفية جديدة قائمة على عقل الإنسان الناظر , لا على تقليد موروثاته , ولا تقليد القوى الكبرى فى زمانه , بل تقوم فى الإنسان نفسه حين يكون عاقلا, وتأتى نقطته المهمة فى انه يأمر باحترام الاخر غير المحارب , إلا ان مايحدث هو إعادة إحياء عديد من الموروثات المتراكمة خلال فترة زمنية تقدر ب 14 قرنا من الزمن , كانت كفيلة ﻷن يقتحم اللاوعى العربى – المتجرد من الزمن- المتأصل بسماته الثلاث , ان يقتحم الإسلام من حيث الممارسة تحديدا , لا من حيث النص المقدس "القرءان" لاستحالة تغييره مع وجود مئات الآلاف من الحفاظ والنسخ فى الأمصار, هذه الممارسات , البشرية , كان مجالها الفقه , والحشو بالشروح , والتنظير لنظريات فضفاضة ادخلتها السياسة التوسعية والمناهضة للشعوب التى سيطرت عليها فى فتوحاتها التوسعية – الفرس والروم فى الاغلب – مما ادى إلى ظهر صور يمينية , وصور راديكالية , وصور غارقة فى التقليدية ايضا , كنتاج لهذه المتداخلات الثلاث : اللاوعى المعرفى , الدين , السياسة.


تطلعنا كتابات ما يسمى ب"الصحوة الإسلامية" – وهو تعبير سياسى يعنى الاتجاه نحو الدين كنظام سياسى , ونلحظ الفرق بين النسب المنحوت لغويا إسلامي , فى الوقت الذى لم يوجد هذا اللفظ فى كل الكتابات القديمة تقريبا وإنما كان النسب إلى الإسلام مسلم وليس إسلامي , فحين نطلق هذا اللفظ نعنى الإسلام السياسي – على كم من الاستعلاء العرقى والديني, تعود فى مجملها إلى كتابات ابن تيمية الحرانى المتوفى فى بدايات القرن الثامن الهجري , وهو الاب الروحى لهذه الصحوة التى لا يعرف على سبيل التحديد من الذى ايقظها فى هذا الزمن!! , هذا التيار الذى يصفه الباحثون غير المسلمين بأنه اتجاه مختلف تماما عن سمات الفكر "المسلم", هذه الكتابات تشرعن للقتل على الهوية , والإرهاب باسم الدين , ليس فقط الدين , بل باسم المذهب , بل والقتل على الاختلاف على قضايا فرعية محضة , هذه الافكار تطورت تطورا طبيعا لتنتج لنا ال"إسلامي" الذى يفجر نفسه ويتقرب إلى الله بقتل الشيعة!! , او قتل الابرياء فى شوارع مدريد وقطاراتها!...هذه الكتابات إنما نشأت فى فترة من الإضمحلال الفكرى والثقافى والعلمي كان يتصور العالم النحرير فيها العمل بالكيمياء والحساب والرياضيات نوعا من السحر لايجوز شرعا الاقدام عليه!.


نعم كان يوجد فى كل هذا التاريخ الطويل الكثير والكثير من التراث القيم الذى يملأ العقول فكرا , والقلوب قناعة بقضايا غاية فى الديناميكية , ولكن بفعل فاعل , سياسى محض , تظهر فقط الصورة التى نراها اليوم فى شوارعنا , مساجدنا , وحتى فى جامعاتنا!.


تاريخيا و بصورة اقل حدة نخر تيار الاستعلاء فى أفكار "دينية" أخرى, حتى تخلخل إلى الممارسات الفقهية المتعلقة بال"آخر" , حيث تعرف الآخر على انه كل مختلف , فى الديانة , المذهب وحتى العرف , أدت هذه الأفكار إلى تكريس الفكرة المتقولبة داخل المسلمين انفسهم – والإسلاميين بلاشك لاحقا – فقامت الحروب المذهبية مدعوة من السلطة , وقتل الكثير من الضحايا دفاعا عن "المذهب الحق" وهو يظن انه فى "الجنة" وقاتله فى"النار", هذه الصورة المماثلة للقرون الوسطى , تمثل فى مخيلة العديد من المشتغلين بالعلوم الدينية للإسلام , صورة "الدولة" , وما يجب عليها ان تفعله, فهى يجب ان تتخذ موقفا من الافكار المخالفة للديانة "الرسمية" , فى الوقت الذى لايوجد بالفعل اى نص قرءانى يؤيد هذا , إلا ان هذا الرأى يجمعهم , ولهم فى هذا أدلة عديدة , ليس منبعها الحس أو النص , بل الآراء التى دونت فى القرون الوسطى , ويريدون ان يسقطوها على حياة الناس بعد ان انتظموا فى مجتمعات مدنية متطورة !!!.


فى الشرق الأوسط , وتحت تأثير الإسلاميين وغيرهم , يتكلم الناس فى الشارع عن ما يسمى بال"تجربة الماليزية" , وكأنها تجربة فى غاية العدالة , وفى غاية الحيادية , - المخزي ان اللاوعي العربى لا يعتبر تحقيق العدالة غاية و نجاحا , فهو لم يشهد خلال تجاربه الطويلة أى صورة لدولة عادلة , وإنما كان مقياس النجاح عنده هو طول البقاء فى الحكم!! - ولما تمكنت من زيارة ماليزيا , كرجل محب للسفر , مشيت فى طرقاتها , وحاورت اهلها , ودخلت بيوتهم , ومساجدهم , وكنائسهم , وحتى معابدهم , لم اشعر بالغربة , وإنما شعرت بكمية من المتناقضات , حيث يتزاوج الدين والسياسة فى زواج باطل , ينتج سفاحا فكرة متمترسة عرقيا , ليس للدولة فيها اى معنى سوى ان تحمل جواز سفر يكتب عليه اسم عرق الأغلبية على انه اسم الدولة , كل نواحى الحياة تكرس التمترس العرقي , مؤدية إلى مجتمع شديد الهشاشة , يمكن ان ينفلت فى لحظة , هى لحظة انفجار لا تحمد عقباها....أتمنى الا تقع.


المؤكد ان ماليزيا لم تشهد الأسوأ حتى الآن , ولكن بجولة بسيطة على الإنترنت تجد ان هناك حزبا راديكاليا "إسلاميا" يبدأ فى الظهور, هى أيضأ نتيجة طبيعي لجهد أرباب الدولار البترولي لنشر فكرهم, داعين إلى وجود "صحوة إسلامية" , لا أدرى إلى اى مدى ستصل بالناس هناك , ربما ستدعو إلى تجريد غير المسلمين من جنسيتهم الماليزية...كما هو الدستور المعدل فى المالديف!!....هذا التخلف المزرى , الذى لا دخل للدين فيه بحال إلا كونه مظلة عرقية, وهذا التخلف المزري الذي تغذيه النزعات العرقية , والجهل المطبق بتعاليم الدين , والجهل أو التجاهل المتعمد لقواعد بناء الدول الحديثة , حيث تسود حرية الفرد , ومصلحة الجماعة , وتصبح الدولة صاحبة انتماء محدد , منحاز للمواطن , بغض النظر عن دينه , أو عرقه , او انتماءاته الفكرية , فى هذه الدولة يكون الإسلام كغيره من الأديان, مسألة فردية فى المعتقد,وجماعيا يدعو للعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى , لا ان يقهر الناس على ان يكونوا منافقين!!


لابد أن أسال سؤالا يطرح نفسه , ماذا كان سيكون وضع المالاويين وغيرهم إذا كانوا هم "الأقلية" فى وجود "أغلبية حاكمة" من العرق الصيني مثلا؟ لا شك أن نفس النقاط المذكورة فى الأسفل ستنطبق مع استبدال كلمة الصينيين بدلا من المالاويين...ﻷن من يملك القوة , هو وهو فقط , من له الحق فى ان يقول , ويفعل....ويحكم , ولكن تبقى المواطنة هى الحل الأمثل لكل من اراد ان يقيم العدل الذى هو بحق روح الدين , أى دين كان.


أسرد فيما يلي عدة اشياء لاحظتها وعلمتها من زيارتى لماليزيا ولقاء البعض من الناس هناك من اعراق مختلفة , هى فقط لكى يربط القارئ بينها وبين ما ذكرته فى الأعلى:


1- حصر الوظائف العليا على المالاويين.

2- الالتحاق بالجامعات الحكومية يكون متناسبا مع كل عرق "كوتا", والنسبة الأكبر للعرق المالاوى”يسمى فى هذه الحالة باسم : بوميبوتيرا أو أبناء الأرض”, ومن لا يجد مكانا فعليه ان يلتحق بالجامعات الخاصة بالمصاريف.

3- المالاوى المسلم إذا تزوج من غير مسلمة يجب عليها أن تسلم!

4- مقص الرقابة السنيمائى يأتى على احد الافلام الماليزية لتناولها مسألة الدين فى بعض المشاهد, فيجعل الفيلم عاجزا عن تحقيق بناءه التكاملى, فلكى تشاهد الفيلم كاملا عليك الذهاب إلى سنغافورة!

5-إذا اردت ان تشاهد فيلما عن المسيح مثلا, يجب ان تكون غير مسلم (ماذا عن مسلم غير متدين, ولد ﻷبوين مسلمين رسميا ولكنه غير متدين...يجب ان يكون منافقا ليعيش!!).

6- لتبنى كنيسة, لابد ان تكون اقل حجما واقصر ارتفاعا من اقرب مسجد!! (خيشة ان تبتلع المسجد!!).

7 -عدد حكام الولايات الغير منتمين للعرق المالاوى لا يتخطى الاثنين مع وجود تمركز لبعض الأعراق فى عدة اماكن, فى الوقت الذى تظهر الدراسات الاحصائية ان نسبة المالاى من 54 إلى 62% على افضل تقدير, وعدد الولايات يربو عن ال13 ولاية!!.

8- حرقت احدى الكنائس لاعتراض المالاى على استخدام المسيحين لكلمة "الله", فظن الحمقى أن "الله" هو إله المسلمين فقط وأنه اسم علم!! ( لغويا "الله" هى تسهيل لكلمة "الإله" وسهلت الهمزة , وليس اسما مجردا!!).

9- إذا مررت بالريف, تجد بونا شاسعا بين بيوت المنتمين للأعراق الصينية والهندية, فهى بيوت أهلية, مبنية بالمجهودات الذاتية, وبين البيوت التى منحتها الحكومة, وحصرت على العرق المالاوى, فهى تكاد تكون بيوتا فى المدينة وليست ريفية!

10- إشكالية الهوية متجذرة بشكل شديد , فحين تسأل احد الناس إذا كان ماليزيا, يقول لك انا صيني ماليزي, مع كونه لم يذهب للصين فى حياته , إلا ان مسألة الانتماء تخضع لمقاييس عرقية محضة.

11- إشكالية الولاء , وهى اصعب من الهوية , فالولاء فى الدول المحكومة بنظام ملكى , يدخل فيها الملك , ولما كان الوضع بهذا التمزق , فلا أشك ان مثلث الولاء فى بلد مشابه هى مسألة مريبة " مثلث الولاء فى الدول الملكية التى تدين بالإسلام : الله , الوطن , الملك".


________


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق