…..ها أنا أقف فى منتصف الطرق , بعدما خضت وخاض معى الخائضون , عديد طرق ومسالك , كلها تدور فى أفلاك الأخرين , وتستشرف الميتافيزيقيا والغيبيات بعدما عجز العقل المعاصر عن إدراك الواقع والنهوض منه , فلم يعد من الطرق إلا القليل , واعجب كل سالك بطريقه وأضحت له المثلى , وإن كان أكثرهم بل سوادهم الأعظم إنما أعاد رسم رسما رسمه أحدهم من قبل , إما أهله وإما غيرهم , إما انصارهم وإما أعداء أمته , وليس بينهم من أدرك حقيقة يوما أن الإنسان هو أثمن ما فى الأرض , والكل مسخر من أجله , فأضحت فلسفته فى الحياة إما متزمته طاحنه , بشتى صورها , وإما مادية طاحنة , وإما عبثية طاحنة , أو بين بين.
قرر بعضهم الثورة على الموروث فوقعوا فى النكسة , وقرر الأخر تغيير المجتمع فقتلوا الأبرياء , وقرر الآخر المشي بجوار الحائط واستخدام تعبير " مصلحتك " , وهذا الأخير هو صورة تعايش المجتمع البسيطة أو العفوية لنقل , مع القوى الخارجية , فالنظام الاقتصادى الرأسمالى بصفته المظهر القائم فى المجتمعات العالمية , يجبر افراده- أى افراد المجتمع- على تمجيد المصلحة الفردية المتمثلة فى صاحب رأسالمال , وليس الحال أحسن من ذلك فى منظور القطاع العام الذى هو بصورة اخرى رأسمالية الدولة البيروقراطية , أى الدكتاتورية , فصار الغالب على فكر " المعتدلين " من الشباب هو الحصول على عمل مناسب كى يتزوج الشاب وينجب!! وكل من يخالف هذه النظرية تقريبا – خصوصا الجزء الاخير من الفكرة وهى الزواج – يعد منبوذا من المجتمع " المعتدل " , فمع " اعتدالهم " المزعوم يفقدون ال"بين بين" الذى ارتسموا به , حينما يأتى الحديث معهم عن مصالحهم أو " أكل عيشهم ".
سألت نفسى وغيرى , ماذا بعد الزواج والانجاب ؟؟ , طبعا غرض الزواج الطام لدى الشباب بكل صوره وبدون استثناء المتدين منهم ظاهريا , هو الممارسة الجسدية الميكانيكية , فالأمر لا يعدو لديهم سوى إيجاد " هدف " اى انثى مناسبة القوام والشكل , ويضمون إليها الدين والأخلاق وووو – كصورة من الاعتدال المزعوم , ثم عودة إلى السؤال ماذا بعد؟؟. لم أجد إجابة سوى إعادة رسم الصورة الأسرية لأبى وأمى وجدى وجدتى وووو , فماذا كان من حياتهم سوى إيجاد الذرية , والسعى ليل نهار لإطعامهم , وووو , فهل قدر- أى مخطط- الإنسان أن يعيش هكذا ؟؟.
سألت نفسى أين الانسان فى عالم تطحنه المصالح , إما فردية وإما جماعية , وللاسف لا يوجد من أصحاب المصالح الجماعية من يمثل الانسان , فهى كلها مصالح تتمثل إما فى الإستعمار والإمبريالية والسيطرة على ثروات الإمم , وإما نسخية , أى تسعى إلى تكثيير عددها , وأتباعها , وعادة تلك الاخيرة دينية , أو ذات أغراض سياسية أو ايدولوجية بذاتها.
هاأنا فى منتصف الطرق , أسأل- متابكيا- أين الإنسان الذى خلقه الله تعالى , بحكمة وقدرة وسنة , بحكمة التكليف والعدل , وبقدرة المطلق المنزه عن النواقص , وبسنة الإحسان والثواب , فليتنى أعرف ما قد يجعلنى أسلك طريقا من كل هذه الطرق , التى تبدو للوهلة الأولى متشابهة, ولكنها لا تحقق غرض الإنسان الذى يسمو على المادة , ويصفو إلى الحقيقة , الحقيقة أن كل الدنيا إلى زوال , فليس ما يوصلون و يقطعون به اليوم بموصول لهم غدا , وليس من يقلدون يبقى لهم , وليس بمتعتهم الزائلة يشفعون من عدل الحق يوم لاينفع مال ولا بنون.
فالحوم حول حقائق الانسان الكبرى فى وجوده وكيانه ومصيره تستشرف فى النفوس المشرقية هوى لا جدال عليه ولا تثريب , فالمشرق مهد النبوات المختومة بنبوة نبى الهدى محمد صلوات الله عليه , بيد أن التطاحن الذى نشأ فى هذا المجتمع بصورة مزرية , تاريخيا نشطت فى مراحل الاضمحلال , من أول الفتنة الكبرى , مرورا بمهازل الملك العضوض والعسكر, ثم التشرذم المذهبى , والقتل على الهوية , بل وعلى الرأى الخلافى , واستحداث احكام وحدود تتمسح بالدين , لا وجود لها فى الدين على الحقيقة , من أجل الاغراض السياسية , التى كانت- كعادة الملك العضوض- فردية , تتمثل فى مزاج الحاكم وهواه , ويدفع الناس – أطلق عليهم الشعب فيما بعد- دائما ثمن ذلك , الغريب أن العدو اليوم يستعيد نفس التاريخ وفتك التشرذم بالأمة , ليوغل فى العقول والقلوب تطاول الزمن على الإخوة بحجة أحقية على بالخلافة , أو كون القرءان مخلوقا أو خالقا !! , تاركا هذى العقول بعيدة كل البعد عن الدنيا , التى يبدو لبعض المصابين بداء عبادة التاريخ والرجال , أن الدنيا تطورت خطأ , وكان تطورها بدعة وضلالة , وكان الأولى ألا يسمح المسلمون بدخول التطور على حياتهم , فيبقوا على ديدن القرون الأولى.
إن فهم المشكلة وتحديدها نصف الحل , والمشكلة واضحة جليه , ولكن التعامل معها لا يكون بالنفى أو الاثبات , أو السجال , أو الحنق , أو تكثير الأعداد , أو إنفاق الملايين على طباعة الكتب الدينية – المذهبية- السجالية بشتى اللغات بدلا من إطعام الفقراء , أو علاج المرضى , كذلك لا يكون علاج المشكلة بالعنف , أو إعفاء الدين من الحياة العامة للناس , أو محاربة الفكر بالحديد والنار , فالفكرة لا يرد عليه إلا بالفكرة , ولو كانت كفرا بواحا , فالقمع يولد العنف المضاد , وتزداد المشكلة عمقا والجرح عفنا وألما.
وليس حل المشكلة ان نجتمع ونرقع مااتفق عليه المختلفون الذين اختلفوا فى كل شئ حتى فى تحديد مواعيد صيامهم وافطارهم, وليس الحل فى ان نقول : " نتفق على مااتفقوا عليه , ويعذر بعضنا لأخر فيما اختلفنا فيه " فليست هذه البرجماتية أو الدبلوماسية الحديثة تحل مشاكل عمرها بعمر الهجرة إلا أربعين عاما , وحتى اليوم.
إن الحل ببساطة فى إعادة بناء العقل المدرك , وإعادة مبادئ التفكير والحكم على الرواية , التى تسمع أكثر من القرءان , بل والتى تفرض على القرءان تفسيرا لا يقبل النقاش , في حين كون القرءان كنص صامت حمال أوجه , وحمله على وجه رواية ضارب باللسان العربى والعقل المدرك عرض الحائط عين الضلال , الذى مابرح إلا يزكى صراعات الفرق والشيع كل حزب بما لديهم فرحون.
إن سمات العقل المدرك هى سمات العقل الذى خاطبه القرءان والرسول صلوات الله عليه فى الفترة التكوينية للرسالة أى فى الفترة المكية , فركزت على الأساس العلمى – الجدلى – للدعوة وهى إثبات توحيد الله وعدله , بدون فصل بين التوحيد والعدل الملازمين لبعضهما البعض , وقد جسد القرءان هذه النقطة فى قوله تعالى " قل هو الله أحد , الله الصمد , لم يلد ولم يولد , ولم يكن له كفوا أحد " فالتوحيد حقيقة الوجود و العدل أساس الملك والصمدية.
أيضا المنطق الجدلى المادى المبنى على الديالكتيك الماركسى , يقر بصورة من الصور إن الدنيا إلى زوال وأن العالم منتهى لأن موارده محدودة وتنفذ ولا تتجدد , وبخلاف منطقه فى النشوء والارتقاء... .يبدو هذا " الديالكتيك المادى " صورة أخرى من صور المقدامات العقلية التي يتفق عليها بني البشر.
البحث لا بد أن يدور حول المشاكل التى ظهرت فى التاريخ لا لحلها أو لعن الفريق الأول أو الثانى , بل لتجنب الملابسات التى أدت لهذا التطاحن الذى ندفع ثمنه حتى اليوم , فالتاريخ لا يكرر نفسه كما يزعم اصحاب المأساة الميثولوجية , بل كما قال ماركس ,إن كانت الإولى فهى ماساة وإن كانت الثانية – إى تكرار الاخطاء- فهى مهزلة.
هكذا- ويجب أن ينتهى دور التاريخ على هذا – فليس هو مصدر للتشريع أو مصدر للحكم بالقتل نتيجة تأييد المعسكر أ أو المعسكر ب.
قد لا يأتى هذا المقال فى صورة أكاديمية , أو فى صورته الانسانية المجردة من الدين على قول أصحاب المذاهب الإنسانية المعاصرة , فمعذرة لهم إذ لم أكتب تلك الخواطر لتصطف فى صف المقالات الدينية – الليبرالية الحديثة- المرضى عنها أمريكيا , التى يطبل لها كل ناعق.
اللهم أعنى على اتباع أحسن القول , وأجعلنى ممن تسمو أرواحهم لتشهد بعظمة الملكوت , وأحفظنى يارب من الظلم وأهله…. آمين.
الاثنين، 22 ديسمبر 2008
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
اللهم أعنى على اتباع أحسن القول , وأجعلنى ممن تسمو أرواحهم لتشهد بعظمة الملكوت , وأحفظنى يارب من الظلم وأهله…. آمين.
ردحذفالزمخشري